تُقاضي الأيام الآلام في محكمة القدر، محكمةٌ قاضيها الزمان، لا داعي لِأَن أذكر باقي الأعضاء لأنهم كثر و يتدخلون دون إذْن، السؤال هو ما هي القضية؟ القضية و بكل بساطة هي أن الآلام كسرت مرآة الأيام، قد يكون الأمر تافها، لكن تسلسل الأحداث يجعل منه جريمة.
بدأت العقدة عندما سئمت الآلام جبروت الأيام، و تألمت لألم الأحزان. لقد كانت الأيام إمبراطورة إمبراطورية الحياة، إمبراطورية تقع تحت ركام الدنيا، كان مستشارها شابا، شابا وسيما لكنه ماكر و داهية"إنه الدهر". و كانت الإمبراطورة مستبدة لها عدلها الخاص، تقطع ألسنة الآهات حين تئن، تكبل أيادي الأفراح حين تصفق، و تقدم الأحزان قرابينا للجراح، كانت تُحصِّن حدودها بالذكريات، و تسقي شعبها من نهر الوعود، وتُطعمهم من حقول الأمل. كانت تحرص على أن تكون المحاصيل وهمية و أن ينال كل فرد قسطه من الأوهام، فمنهم من يصنع منها خبزا يعيش عليه ليستمر، و يرضى بذلك، و منهم من يحمله في كيس هوائي يحس طول الطريق انه مليء، و حين يصل إلى سوق الأوهام ليبيع نصيبه يجد الكيس خاويا، فيعيد التفكير في المكان الذي اسقط فيه نصيبه و يجد نفسه لم يحمل شيئا منذ البداية فإما يُبَلِّغُ المسؤول و إما يُجَنُّ أو ييأس .
و ذات ليلة والآلام تصفف شعر الأحزان وتُعِدُّ ظفيراتها أمام المرآة الملكية للأيام لتزينها للجراح، لمحت دموعا تبكي على شرفة عينيها و تعزف ترانيم أسى على أوتار عود فلبها ،فتألمت الآلام لآلام الأحزان، و كسرت تلك المرآة، و فكت الظفيرات، و مسحت دموع الدموع، و خرجت لتضطهد و تتمرد على حكم الأيام، ظنت في بادئ الأمر أنها ستكون لوحدها، و أن الإمبراطورة ستأمر بإطلاق سهام الموت عليها من قوس الدهر، لكنها فجأة رأت حشودا لا تحصى تساندها، و تسقط تمثال الأيام في وحل الثورة و ترفع راية النصر فوق قلعة الصبر، لتعلن نهاية الحكم الظالم. لكن و بعد أن ظَنَنْتَ أنها النهاية أمطرت سماء الظلم حبالا كبلت أيادي المحتجين و أعادت التمثال و أسقطت راية النصر و أخذتهم إلى سجن الحياة، قادت الآلامَ لمحكمة القدر لتجزى على ظلمها و اضطهادها ضد الأيام و تنصف هذه الأخيرة لأنها مظلومة في نظر العدالة و قانون الدنيا.