انهمر الثلج علينا بغزارة
الدكتور : عماد عطا البياتي--------------------------------------------------------------------------------نزل الثلج بغزارة.. شديدة لمدة يومين متتاليين فغمر الأرض والأشجار الكبيرة والمساحات الخضراء والشوارع وسطوح المنازل والمباني المختلفة والسيارات والناس. وصبغ كل شيء تقريبا باللون الأبيض المتلألئ الجميل. وراحت المكائن الثقيلة والخفيفة تعمل بجد واجتهاد منذ الصباح الباكر لإزاحة طبقات الثلج وفتح الطرقات والمعابر للسيارات والدراجات والمشاة، وانشغل الناس بجرف طبقات الثلج الكثيف من أمام مداخل البيوت.
شاهدت كل هذا وأنا أتفكر في أن هذا الثلج المنهمر بهذه الغزارة المدهشة ليغمر كل شيء تقريبا ولا يحده شيء، فتذكرت المعاني التالية:
تذكرت.. العذاب الرباني العام الشامل الذي نزل على الأمم السابقة لأمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كالحجارة المتساقطة على الرؤوس كالمطر والطوفان الرهيب المهلك والخسف المدمر وغيرها من أساليب العذاب للأمم الكافرة المكذبة المعاندة التي آذت أنبيائها ولم تستجب لدعوتهم المباركة المنجية. وتذكرت الكوارث الطبيعية التي حدثت وتحدث بكثرة في عصرنا الحديث من فيضانات وأعاصير وزلازل وغيرها. ورحت أتفكر فيما يمكن أن يحمل هذا الثلج المنهمر من فيروسات أو مخلوقات مجهرية أخرى لم يكتشفها العلماء بعد وتسبب المرض والهلاك العام المدمر خاصة وأنا أعرف الشيء الكثير عن مرض انفلونزا الطيور الخطير جدا والذي ينتقل في هكذا أجواء باردة جدا ومثلجة وتخوف العلماء من تحول هذا الفيروس العجيب من النمط المنتقل من الحيوان إلى الإنسان إلى النمط المنتقل بين الناس ليسبب الكارثة والوباء المهلك مثلما حدث في سنوات سابقة وآخرها في سنة 1968 وسمي وقتها بانفلونزا هونك كونك وتوفي بسببه 4 مليون إنسان تقريبا فضلا عن ملايين الطيور الداجنة والبرية والتي ماتت أو أعدمت بسببه.
ارتعبت من هذا التفكير.. بعد أن تذكرت المنهج الفكري والسلوكي الذي يسير عليه أبناء الحضارة الغربية المعاصرة والمتأثرين بها ومقلديها وبكل قوة وسعي حثيث نحو الانحراف والتيه والغرق إلا من رحم الله. وكذلك المنهج الظلامي الظالم البليد المنتشر بين أبناء الحضارة العربية والإسلامية الحالية التائهة المتخلفة المتشدقة بأمجاد الماضي وادعاءات الحاضر الفارغة من مضمون الخير والرحمة والرقي الفكري والأخلاقي الإسلامي الحنيف إلا من رحم الله. نعم من يضمن للبشرية وهم مصرون على هذا الفكر وذاك السلوك أن يغمرهم العذاب الغزير العام الشامل كهذا الثلج المرعب الذي غمر كل شيء ولم ينجو أحد منه.
ثم انتقلت.. بتفكري نقلة بعيدة جدا أوصلتني إلى الطرف الآخر من المعاني الإيمانية.
وتذكرت.. رحمة الله الواسعة التي تغمر الكون والمخلوقات وكل شيء. فرحمة الله غامرة عظيمة وشاملة تسع كل مخلوق، بل تسع كل شيء؛ النباتات والحيوانات والناس على اختلاف مستويات تفكيرهم وسلوكهم. وتذكرت رحمة الله تعالى بالمؤمنين من الأمم السابقة وكيف ينجيهم ويحفظهم من الهلاك ومن كل الشرور، ورحمة الله تعالى بالناس أجمعين بأن سخر لهم ما في السموات وما في الأرض من خيرات ومن رزق ومن أسباب للمعيشة الصالحة ماديا على هذه الأرض. ورحمة الله بالدواب والحيوانات والنباتات والمخلوقات المختلفة بأن يرعى معيشتها ويخلق لها أسباب الاستمرار والتكاثر والرزق الوفير وغيرها من تفاصيل عجيبة مدهشة يعجز الفكر الإنساني عن حل طلاسمها إلى الآن ويندهش كثيرا بمعرفة بعض من تفاصيلها البسيطة المذهلة. نعم.. ما يدريني ما يحمل هذا الثلج المنهمر بغزارة عجيبة من أسباب الرحمة للإنسان وللمخلوقات على الأرض. ثم تذكرت الآن بعض مواقف الشدة التي مررت بها في حياتي ثم كيف جاء الفرج واقبلت الرحمة الإلهية علي من حيث لا أحتسب فغمرتني حتى الرأس ولقد سمعت قصصا كثيرة مشابهة لأناس آخرين غمرتهم مثلما غمرتني هكذا رحمة عامة شاملة واسعة عظيمة كهذا الثلج المنهمر بغزارة.
سررت جدا.. بهذا المعنى الجميل فبدأت أحب هذا الثلج المنهمر علي واستمتع به كثيرا بعد الخوف والرعب.
ثم توصلت إلى المعنى التالي:
إن هذا الثلج الغزير هو آية عظيمة من آيات العذاب يجدر بي أن أتفكر فيها وأن أحاول التنبه والحذر من الخطر المحدق بي وذلك بتصحيح المسير ومعالجة أمراضي النفسية المستعصية بكل جد واجتهاد، فلم يبقى من الوقت إلا القليل وها هي الآيات الربانية العظيمة تنهمر علي وتغمرني وأراها أمامي رأي العين، وإلا فإلى متى سيستمر حال الغفلة المهلكة والتسويف القاتل!!، حال البلادة والتيه والغرق.
وهو في نفس الوقت آية عظيمة من آيات الرحمة الإلهية الواسعة يجدر بي كذلك أن أتفكر فيها عميقا وفي أسباب تخلية النفس والقلب والروح من الأقذار لكي أستطيع تفهم واستيعاب واستقبال هكذا رحمة عظيمة لترفعني عاليا إلى سماء الإستقامة والإيمان، وإلا فمن الغباء الفاحش أن تغمرني كل هذه الكمية من الثلج والرحمة ولا استطيع الانتفاع بها بالتحليق في معاني الإيمان العالية.
أحببت هذا الثلج كثيرا.. وتفكرت به كثيرا وليس كل ما تفكرت به أستطيع أن أعبر عنه بسبب النقص والقصور وأنا متأكد من أن المعاني التي يحملها هذا الثلج المنهمر علينا بغزارة أكبر وأوسع بكثير من الذي تفكرت به.. ولكن الذي أحسست به حقا وصدقا بأن هذا الثلج المنهمر آية عظيمة من آيات الله تعالى الجليل الجميل الرحيم جل جلاله.. ويجدر بي أن أتفكر فيه ثم أدعو الله بأسماءه الحسنى المتلألأة على سطح بلورات هذا الثلج الأنيقة الجميلة بعد بذل الجهد الصادق الكبير في التخلية الدقيقة الذكية المؤمنة بعد تسويف طويل مهلك.
الأربعاء يناير 28, 2009 2:59 pm
